دير القديس ثيودوسيوس (عطالله) رئيس الأديار

دير القديس ثيودوسيوس (عطالله) رئيس الأديار

وبالإضافة إلى الكنيسة التي يقام فيها القداس الإلهي، كان هناك أيضاً مدرسة للاهوت ومشاغل وإسطبلات للحيوانات ومرافق أخرى. لكن تلك المرافق والأنشطة لم تدم طويلاً بسبب الهجمات الفارسية عام ٦١٤ م وذبح ٥٠٠٠ راهب, والغزوات الأسلامية فيما بعد, لكن الدير عاد للازدهار بين القرنين الحادي والثاني عشر، وفي العهد الصليبي بالقرن الخامس عشر تُرك الدير وأصبح ملاذاً للبدو من قبيلة ابن عبيد، ومن هنا جاءت التسمية.

طيلة ثلاثين سنة لم يضع قطعة خبز في فمه وبينما كان يعمل من الفجر حتى المساء كان يرغم نفسه للاكتفاء بالاعشاب والبلح وبعض الحبوب التي ترمى في العادة للحيوانات الداجنة وفي بعض الوجبات كانت يكتفي بتمرة واحدة وبعد العشاء كثيرا ما كان يعاقب نفسه فيقضي الليل واقفا غارقا في الصلاة والتأمل مع الدموع.

وبسبب محبته لله الاب ولابنه يسوع المسيح فالقديس ثيودوسيوس مكرم جدا في كل العالم المسيحي (423 – 529 ب م ) فهو مثال للراهب المنضبط العائش لمجد الله . انه وجه للتقوى وبذل الذات في القرون الاولى من تاريخ المسيحية لطيف المعشر متواضع ويقسو على نفسه فيحرم جسده ما هو بحاجة اليه من طعام , الا ان الله في عميق حكمته كان يغذيه من المائدة الروحية طيلة 106 سنوات عاشها على الارض.

ولد القديس ثيودوسيوس (عطالله) في سنة 423 م لوالدين مسيحيين تقيين في قرية كبادوكية من اعمال موغارياسوس ( جزء من تركيا الحالية ) وعاش إلى سن المائة وخمس سنوات، حيث توفي في العام ٥٢۰ م، ويقبع قبره الآن في كهف أبيض الجدران داخل الدير. ترعرع القديس ثيودوسيوس في بيت تقي ، وتعلم الاسفار الالهية منذ حداثته . هو مفكر حذق ، وخطيب مفوه . وسرعان ما اصبح قارئا في كنيسة قريته حيث لامست الكلمات الالهية قلبه ، فكان يحلم بمغادرة العالم لعبادة الله راهبا في دير.

وفي سن مبكر انطلق هذا التلميذ المحب للمسيح الى الاراضي المقدسة وكان ذلك في الايام الاخيرة من عهد الامبراطور الروماني مركيانوس الذي كان يقترب من نهاية عهده. وبينما كان في سفرته عبر انطاكية الى فلسطين والاماكن المقدسة عرّج على القديس سمعان العامودي الذي ادهشه بشدة عندما ناداه ذاك من اعلى العامود حيث كان يقيم، وقال له : يا ثيودوسيوس خادم الله اهلا بك ثم راح القديس سمعان العامودي يتنبأ ان القديس ثيودوسيوس سوف يصبح في نهاية المطاف قائدا عظيما للرهبان في فلسطين.

كانت هذه نصيحة شديدة الوقع وقد سار القديس ثيودوسيوس بموجبها. فقام وانضوى في دير في فلسطين على مقربة من بيت لحم ، بعد ان امضى فيها سنوات عدة مروّضا نفسه بصبر على حياة تليق بالله. ولم يمض وقت طويل حتى راح ابوه الروحي لونجينوس يلح عليه كي يؤسس ديرا يقوم هو نفسه بادارته في بيت لحم.

كان ثيودوسيوس خادما لله متواضعا وفي ذلك الحين كانت هناك مجموعة من الرهبان تنضوي تحت قيادته وارشاده اما هو فكان يعيش في كهف رطب، وكان يحيا عاكفا على الصلاة والتوبة. كان لهذا الكبادوكي قلب كريم، فلم يكن بوسعه ان يرفض الرهبان الغيارى الذين كانوا يتوافدون عليه للاسترشاد والتزود بنصائحه. وفي العقود التالية من السنين قام هو نفسه بتأسيس دير كبير وثلاث كنائس لرهبانه، وكان يعيش كرئيس على الدير حياة مثالية ملؤها القدوة.

وما هي الا سنوات حتى اختاره اسقف اورشليم رئيسا على جميع اديار فلسطين، فذاع صيت قداسته في كل فلسطين. اما هو فراح من هذه المسؤولية يرشد الرهبان الى التقوى مع الطيب الذكر القديس سابا المتوحد الذي كان قد عينه الاسقف نفسه ساللوستوس مرشدا روحيا لكل نساك فلسطين.

كان القديس ثيودوسيوس صديقا للفقراء والمرضى، فقام يطعم الجياع كل يوم، وراح يوعز لرهبانه ان يعدوا عشرات الموائد للوجبة المسائية. وفي غير مناسبة ، وعندما كانت المؤن تشح، حوّل بضعة خبزات الى خبز وفير على غرار ما فعله السيد يسوع المسيح عندما كثر الخبزات والسمك قبل خمسة قرون.

بيد ان الهبات العظيمة التي كان القديس ثيودوسيوس يقدمها للعالم لم تقتصر على تشييد كنائس ومشافي وتوجيه الرهبان الورعين في صلواتهم اليومية ، بل قام ايضا بخدمة جليلة قاوم من خلالها مع القديس سابا المتقدس هرطقة افتيخيس في اورشليم وفلسطين، فنفي على الفور بسبب جهوده هذه من قبل الامبراطور البيزنطي انستاسيوس الذي كان قد اعتنق تعاليم افتيخيس, وسرعان ما عوقب الامبراطور نفسه على جحوده ، فقد ضربته صاعقة قتلته على الفور.

في نهاية حياته، احتمل القديس ثيودوسيوس مرضا مزمنا طويل الامد، الا انه ابى ان يصلي الى الله للشفاء منه، انما كان يقول ان احتمال الالام ضروري للتوبة عن الخطايا الروحية. مات عن عمر كبير في شيخوخة متناهية وله من العمر 106 سنة في الدير الذي سبق ان اسسه هو بنفسه. وغادر هذه الدنيا وتسبيح الله على شفتيه.